الليل فارس ملفع بالعتمة والصمت والانتظار ، وهو هارب لائذ بجنح هذا الفارس .
نفسه كتلة من حزن ، وأفكاره حلقات مسننة لاتنفك تضغط على رأسه المثقل بالهموم فتأتي على ما تبقى لديه من صبر واحتمال .
سنواته الماضية محض سراب وأيامه القادمة كابوس مفزع فهو يجهل ما سيؤول اليه حاله في الغد أو بعد غد .
سنوات الحرب والجوع التهمت كل ما يملك وتركته كيانا متآكلا بلا مأوى تطارده لعنة الماضي والحاضر معا .
بالأمس افتعل مشكلة ليبيت في أحضان أحد السجون ، فلقد سئم وجوه أصدقائه التي تنطوي على ضيق كلما حل مساء جديد ،والليلة يتملكه شعور بالعجز .. باللاجدوى فما من وسيلة تنقذ بقاياه الهزيلة من هذا الضياع .
منذ أوائل الليل وهو في سباق مع الزمن ، فثمة هاجس يدفعه ليجوب شوارع بغداد المحببة إلى نفسه ، إنه يسابق الليل ، فمن منهما سيرحل أولا ؟
اخترق شارع الرشيد .. عرج على شارع المتنبي ، عند ناصيته توقف ، مادا بصره إلى أبعد نقطة هناك ، ارتسمت على شفتيه ابتسامة ساخرة وهو يتذكر كلمات بيتين شعريين من إحدى قصائد المتنبي.
وكلما لقي الدينار صاحبه في ملكه افترقا من قبل يصطحبا
مال كأن غراب البين يرقبه فكلما قيل هذا مجتد نعبا
استأنف المسير رغم التعب الذي حل في جسده، لم يتوقف لحظة عن السير أو التفكير.
إستعرض حياته .. حياته كلها ، إنها تاريخ حافل بالحروب ، هل أبقت تلك الحروب على شىء ؟هل هنالك أمل في أن يستعيد إنسان هذه الأرض أمنه واستقراره ؟ هو لايدري، لكنه يعرف تماما بأن العشرات من الضحايا يتربصون بالموت ، علهم يجدون فيه الراحة بعد عذاب .
تبددت العتمة المهيمنة على المكان الذي يحتويه بعد أن اخترقها شعاع أفقده القدرة على الرؤية ، تابع السير دون أن يلتفت صوب السيارة التي توقفت على مقربة منه.
أحس بخطوات تلاحقه .. ارتاب .. تلكأ ، لعل الأمر يعنيه ، وفي حركة مباغتة انقض عليه رجلان أدخلاه السيارة عنوة .
لم يكن هنالك مايدعو إلى العنف ، فهو لم يقاوم ، وظل مطرقا ، فليس لديه ما يخشى عليه ، لأنه لم يجن من هذه الدنيا إلا الهباء ، ولا يملك فيها سوى ثيابه التي يرتديها ، لقد باع كل شىء ، باع أثاث بيته .. كتبه .. أدوات مطبخه ، حتى ثيابه باعها من أجل لقمة عيش لاتسمن ولا تغني من جوع .
سيارة فخمة وثلاثة رجال، لا أحد بإمكانه أن يخمن أي نوع من الرجال هم ، حتى هو لم يشغل نفسه في التفكير في نواياهم ، أو من يكونون ، وما لبث أن نام بعد أن سرى مفعول المخدر في جسده المكدود .
في الصباح كان الفارس الملفع بالعتمة والصمت والانتظار قد ولى هاربا من جحافل النهار ، فيما لاذ الهارب بالراحة الأبدية .
ماذا تبقى له من حطام دنياه غير هذا الجسد المنهك وها هو قد سرق هو الآخر ،حيث ألقى به الرجال في أحد الأماكن النائية بعد أن سرقوا كليتيه .
لابأس .. فها هو قد وصل إلى غايته ، لكنه رحل دون أن يعلم بأنه مازال يملك مايسرق وأن الحروب قد أفرزت لصوصا من نوع آخر
نفسه كتلة من حزن ، وأفكاره حلقات مسننة لاتنفك تضغط على رأسه المثقل بالهموم فتأتي على ما تبقى لديه من صبر واحتمال .
سنواته الماضية محض سراب وأيامه القادمة كابوس مفزع فهو يجهل ما سيؤول اليه حاله في الغد أو بعد غد .
سنوات الحرب والجوع التهمت كل ما يملك وتركته كيانا متآكلا بلا مأوى تطارده لعنة الماضي والحاضر معا .
بالأمس افتعل مشكلة ليبيت في أحضان أحد السجون ، فلقد سئم وجوه أصدقائه التي تنطوي على ضيق كلما حل مساء جديد ،والليلة يتملكه شعور بالعجز .. باللاجدوى فما من وسيلة تنقذ بقاياه الهزيلة من هذا الضياع .
منذ أوائل الليل وهو في سباق مع الزمن ، فثمة هاجس يدفعه ليجوب شوارع بغداد المحببة إلى نفسه ، إنه يسابق الليل ، فمن منهما سيرحل أولا ؟
اخترق شارع الرشيد .. عرج على شارع المتنبي ، عند ناصيته توقف ، مادا بصره إلى أبعد نقطة هناك ، ارتسمت على شفتيه ابتسامة ساخرة وهو يتذكر كلمات بيتين شعريين من إحدى قصائد المتنبي.
وكلما لقي الدينار صاحبه في ملكه افترقا من قبل يصطحبا
مال كأن غراب البين يرقبه فكلما قيل هذا مجتد نعبا
استأنف المسير رغم التعب الذي حل في جسده، لم يتوقف لحظة عن السير أو التفكير.
إستعرض حياته .. حياته كلها ، إنها تاريخ حافل بالحروب ، هل أبقت تلك الحروب على شىء ؟هل هنالك أمل في أن يستعيد إنسان هذه الأرض أمنه واستقراره ؟ هو لايدري، لكنه يعرف تماما بأن العشرات من الضحايا يتربصون بالموت ، علهم يجدون فيه الراحة بعد عذاب .
تبددت العتمة المهيمنة على المكان الذي يحتويه بعد أن اخترقها شعاع أفقده القدرة على الرؤية ، تابع السير دون أن يلتفت صوب السيارة التي توقفت على مقربة منه.
أحس بخطوات تلاحقه .. ارتاب .. تلكأ ، لعل الأمر يعنيه ، وفي حركة مباغتة انقض عليه رجلان أدخلاه السيارة عنوة .
لم يكن هنالك مايدعو إلى العنف ، فهو لم يقاوم ، وظل مطرقا ، فليس لديه ما يخشى عليه ، لأنه لم يجن من هذه الدنيا إلا الهباء ، ولا يملك فيها سوى ثيابه التي يرتديها ، لقد باع كل شىء ، باع أثاث بيته .. كتبه .. أدوات مطبخه ، حتى ثيابه باعها من أجل لقمة عيش لاتسمن ولا تغني من جوع .
سيارة فخمة وثلاثة رجال، لا أحد بإمكانه أن يخمن أي نوع من الرجال هم ، حتى هو لم يشغل نفسه في التفكير في نواياهم ، أو من يكونون ، وما لبث أن نام بعد أن سرى مفعول المخدر في جسده المكدود .
في الصباح كان الفارس الملفع بالعتمة والصمت والانتظار قد ولى هاربا من جحافل النهار ، فيما لاذ الهارب بالراحة الأبدية .
ماذا تبقى له من حطام دنياه غير هذا الجسد المنهك وها هو قد سرق هو الآخر ،حيث ألقى به الرجال في أحد الأماكن النائية بعد أن سرقوا كليتيه .
لابأس .. فها هو قد وصل إلى غايته ، لكنه رحل دون أن يعلم بأنه مازال يملك مايسرق وأن الحروب قد أفرزت لصوصا من نوع آخر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك مُعرف أو غير مُعرف يهمنا المضمون فقط