نشرت بجريدة [الأحوال] الليبية يوم الاربعاء 3ابريل2012
وددت أن أحكي
كما لم تفعل الشموع،
عن إيمانٍ اُخْتُطِفَ كبرقٍ.
كلَّ يومٍ أتجولُ عبر حطامِ الحكايات
مصعوقًا من كلِّ جدارٍ
يقفُ كأكذوبةٍ شاخصة
في الطريق*
- · مدخل:
- · كم من عاشق للبحر يسبح فينا ولا نعرفه؟؟كم من صانع لاننتبه لصنعته..كم من مخترع للعلاقات بين الناس لم نفهمه.
- · يغوص في اللجة .
- · يعشقها يبتهل بها ،
- · يمر كما طيف لم تتعرف إليه الكائنات ، لكنه حولنا يستنشق نسائمنا يتشارك فينا الماء بحياء وصمت ويبحر أحيانا معنا لكننا لا نحاول التعرف عليه أو حتى لا نندهش من أثر يخط سحره البهي فوق الرمال..فلا نتتبع الأثر ولا نطرح الأسئلة بل حتى لا نبذل جهدا في التعرف إلى أين يمضي ونظل نتعاطى مع العاديات على شواطئ ملت التكرار !!
- · عندما عثرت عليها من خلال نص قرأته في موقع اجتماعي ، قرأته مسرعا.لكنه لم يبرح ذاكرتي. عدت إليه .لم اصدق أنها تحت سماءنا وظننت لوهلة أنها اسم كبير يتستر تحت اسم غير مكرس!!..لكني مع ذلك لم اشعر بالغربة من الاسم.لأنه معتاد بيننا.. وغير مُركب فيما بدا لي.او هكذا تعاطيت معه.(حنان مصطفى النويصري)
- · بحثت عنها..هي ابنة بنغازي لكن هذه المدينة العجيبة كبلادنا التي يقول عنها الشاعر عمر ألكدي [تحبها وتزدريك]!! تتعامل مع الحب بقلب المجن!!.
- · انتقلت حنان بين بلدان العالم الغربي والعربي ثم حطت الرحال بشمسها شينو [شاهين]طفلها وصديقها.في العروس طرابلس حيث لامن يزدريك ولامن أحيانا يحبك!!.كل في فلكه يسبح..وهذا هو الفضاء الذي يأسر حنان..المحامية..التقدمية الفكر والحضور..
- · الحقوقية..القانون..المحاماه..عالم مُكتظ بالتجارب العميقة..ولدينا في المشهد الثقافي تجارب سابقة..منها شاعر الشباب الراحل علي صدقي عبد القادر الذي كان ديدنه الدفاع عن أصحاب الحقوق الإنسانية..أن تكون أديبا وحقوقيا..يضيف الأمر على الحالة معنى أعمق فالجانب الثقافي يفرض حضوره على الحقوقي فيبحث بعقله الإبداعي عن مكامن الخلل في المجتمع...يخرج الكاتب تماما من حالة التفكير التجاري المحض إلى حالة أعمق بكثير..لذلك سيجد كل صاحب حق ضالته في المُحامي المُبدع لأنه لايتعامل مع التفاصيل بعقلية ومقاييس الربح والخسارة المادية..
- · ليست من النوع الذي يجلس تحت ظل ملفات اعتادت عليها المحاكم..بل لديها قضية[الحرية وحقوق الإنسان] تذهب في القتال إلى أخر مدي لا يمكن التعود عليه في مجتمع منغلق!! لذلك كان لابد ان يبحث عنها ويتعرف عليها الحقوقيون في شتى البقاع ويلجأون إليها لتدافع عن حقوق من يهتمون لهم أمام المحاكم الليبية
- · ثقافتها عميقة وغزيرة وقرأت وتعرفت على ثقافات الشعوب
- · انتهزت حضورها الى بنغازي ليوم واحد لمتابعة احدى القضايا الحقوقية التي تهتم بها ولها منحتني فرصة اللقاء ، لم ترفض..بعد حوار بيني وبينها على الهاتف..قالت:لم تسمع بي لأني لا أقدم نفسي..لم اعمل على هذا التقديم لدي قضية اهتم بها واستمد نصوصي من تجربتي واهتماماتي لكن بطريقة ليست مباشرة..لكني عندما حاورتك احسست بأنك ربما ستقول شيئا مفيد!!
- · كان لقاءنا في الهواء الطلق على ضفاف مقهى في بنغازي ..حسب رغبتها..فهي تقول :الحديث الذي يُقال هو الحديث تحت الشمس وعلى ضفاف الماء..سيكون له إيقاعه وجدواه..!!
قلت:رغم انك لست من المُكرسين إعلاميا في الوسط الأدبي ومع ذلك أرى لك حضور باهر من خلال نصوصك..هناك فنانة تشكيلية عربية قالت ذات مرة:جمالي لعنة على لوحاتي!! هل للأمر علاقة؟؟..ابتسمت واتقد الذكاء لديها وقالت: أشكرك للمعنى الذي ذكرته لكن اللعنة في صنف المُتلقي.وليس في الجمال.ومتلقي مثل هذا لا القي له بالا ولا أتمنى أن يقرأني.. في مُخيلتي متلقي مفترض يتعامل معي كنص.
حنان ؟؟لا تحمل في حقيبتها سوى بطاقات المحاماة والعضوية في عدة منظمات حقوقية دولية تهتم بحقوق الإنسان أينما كان..لم تحمل أي بطاقة انتماء لرابطة أدبية او صحفية ..لكنها أديبة حقيقية تثق في ذاتها وتثق أنها تبحث عن المعنى..تجلس معها.سيدة جميلة.تفرض عليك احترامها ، تتحدث بلغة الواثق تعي كل شيء وتحس بأن لها موقف من الحياة والبشر وما يحيط بها من مشهد اجتماعي هي معنية به لكنها لا تتنازل عن وعيها المتقدم وازدراءها للرداءة وقبح الأشياء.
[. لم أحاول يوما أن أكون وفق معايير الآخر حتى يرضى عنى...بل دائما أكون أنا لان هذا سيجذب من هم على شاكلتي إلى]تقول.أيضا :.أصلا أنا لا أرى كفاءة في مجتمع مكتظ بالعقد النفسية والاجتماعية..ليس مؤهلا أبداً للحديث عن أي معايير..لقد تبنيت عديد من القضايا في المجتمع سواء تخص الرجل أو المرأة أياً كان المظلوم فيهما..القصة ليست قصة أنوثة أو ذكورة..المبدأ عندي أبعد بكثير..بمعنى الرجولة التي يتحدثون عنها لا علاقة لها بالذكورة الرجولة موقف و شهامة قد يبدر حتى عن أنثى..لذلك قد اتبنى قضية رجل تعرض للظُلم وكان موقفه رجولي..والمحاكم مكتظة بالرجال المظلومين..المرأة ليست مظلومة في كل القضايا..لكن هي من يقع عليها الظلم أكثر حتى أكون منصفة.
2
عن الاختطاف لحظة صدق
في هذا النص وعندما تقرأ لها نصوصاً أخرى تشعر انها هي ذاتها حنان سلوكاً وكتابة،بمعنى محور ما يشعر بالجدوى هنا. محور يناغي محور آخر.هذا المحور على الصعيد الثقافي سيكون شأنا يمكن قراءته على نحو يختلف.كما اقرأها الآن ذات الموجة البهية..الموجة الصادقة التي يمكن قراءة أفكارها دون حاجة إلى قراءة اسمها..مثلما تقرأ نصاً تعرف انه لكاتب ما دون أن تكلف نفسك عناء البحث عن الاسم وهذه هي ميزة الكاتب الذي لا يكذب على أفكاره ولا يمارس البغاء مع ما يؤمن به..إنه الإحساس بالجدوى - جدواها الذي ينتجه صدقها.. باسمة الجميلة في كل شيء..المعنى والمضمون والشكل..هما حالتان تستوجبان الوقوف..أو ما قاله ذات مرة على الرحيبي عنها..[صاحبة النص المفتوح]..الصدق هنا حالة تتجلى فيها الحيرة بين ذات لا تقبل أنصاف الحلول..لكنها تحاصرها الفجاءة فتتشظى إلى عدة ذوات..كل ذات تقترح معنى يختلف وسيرة مربكة وطريق شائك..لكن الكاتبة توحي مع هذا كله ان محور النص أو بطلته تملك القدرة على اتخاذ القرار تحت طائلة الصدق مع الذات بينما يصارعها محور آخر يسعى إلى الخطف المباشر.هذا المحور الأخير هو التاريخ الذي سيكتب على موجة المحور الأول..ويبدو أن هذا محصلة حتمية.تكتب في هذا النص(عن الاختطاف لحظة صدق)
[اشعر بأنني أتفتت من الداخل ..شيئا ما يحترق..و الدخان داخلي كثيف ..يتكوم في صدري و يطمس حنجرتي...اشعر بصنم ما يتهاوى ...و شبح مغامرة مخطوفة..يناديني..يتراقص كفانوس و حيد في صحراء حالكة العتمة...تستغرقني هواجسي و اغرق في دواخلي.
أحاول أن أطير و اخرج عن المشهد أراقبه من قمة جبلي...فجرا يتجلى يرافقه صوتا أجش..و يقشعر جسدي (و ليس جسمي)..اقترب من الغابة..أرى الأشجار شاهرة رؤوسها كخناجر في السماء...أو كأنها أعمدة تشد السماء كي لا تسقط...و الأرض من مكاني هناك لازالت تدور منذ الأزل..و أولد من جديد في لحظتي تلك مجددا للمرة الواحدة بعد الألف ..ما بين النصر و الهزيمة...و أنا احمل جوعا للحب و هاجسا للسؤال.
الحب ...نظاما يثير الفوضى..رغم انه نظام الموجودات ذاته(1)] ] هنا من قراءة لابد ان تتعمق.. في النص نكتشف انها تتحدث عن امرأة حياتها بأكملها قرارات وتفكير عميق..إنها لاتخوض تجربة هذه المرأة التي تعنيها..بل هي التجربة ذاتها..بمعنى انه ليس تقريرا للحالة ، بل كيف ستكون تفاصيل الحالة واللحظة..وهذا هو الجانب الذي تفكر فيه..صوت يناديها..لكنه الصوت الذي اختارته بطلة النص..بعد ان فكرت فيه..هنا تدلل حنان أن الحياة لاتطاق بدون نظام يمكن التفكير فيه والقرار حوله..الفوضى التي تعنيها فيما يبدو هو تداخل المشاهد وليس الفوضى العادية..وهذا يتوضح من هذا الموقف الذي يتبين في هذا الجزء من النص: [خاطف متنكر يخطفك من تفاصيلك و من ثوابتك ..فهو عدو الجمود...لا أصنام مع الحب....فالحب يجب جاهلية الإيمان...و يحيلك كافرا ورعا....يحمل أضداد اليقين
و لكنه يعيش ملاحقا أبدا من رفيقه السؤال...الذي يرهقه و يقلقه...يدخله حروبا ليست حروبه...و لا يسمح له بالمهادنة أو التسويف!!! (2)].إنها كماتقول الروائية وفاء البوعيسي
[حنان النويصري تصيغ الحكمة من حيث تدري أو لا تدري]
رفيق الموج
[كنت نائمة في جرحي]..البداية مشوبة بالمضمون العميق!! التخيل هنا يضني المُتلقي..والمُتلقي اعتبره مؤلف آخر يقتل نصاً ليحي على أنقاضه تخيلات ونصوص أخرى..يمكن أن يذهب الخيال بعيدا..الشرط الموضوعي هنا أن يكون النص رمزياً ومفتوحا وغير مباشر . وهذا هو نص [رفيق الموج] يرمي شباكه ثم ينتظر في ذكاء بالغ إلى أين يصل؟؟وعادة ما تسقط نصوصها في القلوب..تشتغل على الذهن وأيضا تستكني مزاليج الواقف هنا داخل صدفة عجيبة!!.
[كنت أحمقاً ..و جاهلا ..بلغة الموج و تكوينه... فالموجة لا تحتاج لمأوى ...لم ادرك ان الموج للموج رفيق و ان الأمواج لا ترافق إلا بعضها..و تلاحق بعضها ....تناغش بعضها ..و تدفع بعضها الآخر .لم أفكر يوما أن اختزل نفسي في موجة ...حتى أجارى ركضك الحثيث نحو التجدد و التغيير ..او ربما كنت اعرف الثمن ..و لكنني جبنت عن دفعه..فلا يدفع الثمن إلا الشجعان.
و أنا .....جبان ضئيل في عوالم الموج...اكتفى بالمراقبة..على شواطئ الرتابة المزمنة ....أراقب حالة تلبسك بالـ(حياة)..و قدرتك على تقمص المستحيل....أحاول القبض عليك...تتسربين ببساطة ....لتلك الصدفة.و تبدين من موقعي.. ..كصدفة بعينين سوداوان و شفتان كالجمر....أحاول أن أتسرب إليك...فيرتطم راسي المتيبس كالصوان بحواف الصدفة ...و أبقى منفيا.
لا يعايش الموج إلا الموج....اشعر بعجزي...مازلت تراقبينني بعينيين من...الحياد...و أتوسلك بنظراتي.....البرد يلف جسمي...و أنا أحبو على ركبتي حول صدفتك كطفل...ابحث عن درب إليك....كل المنافذ لا تستوعبني....اشعر بالدم يتصاعد إلى وجنتي...احتقن و اشعر بحرارة تكتسح جسدي المرهق....أقاوم و أقاوم...أحاول دون جدوى...لا تتحركي لا تفعلي لأجلى شيئا....أتوسلك...تنظرين إلى مشجعة...و يأتيني صوتك من داخل صدفتك....(إذا أردت أن تدخل الصدفة عليك أن تكون موجة ..و لتكون موجة عليك أن تموت أولا)
تلين عظامي..و تلزج مفاصلي...و ابدأ أسيل....أتحول...أتمطط..(تقولين لي لأول مرة تعال حبيبي)...استأنف حالة تحولي..و أنا اسمع دوى انفجار في طبلة اذني...أرى العالم بالأسود و الأبيض...و امتزج بالماء و الرمل و الأكسجين....و فجأة أجدني داخل الصدفة....دفء....دفء...داخل الصدفة و حنان...لا زمان هنا...لا صوت إلا صوت هدير الموج الناعم.](3)
هنا يمكنك ا ن تقع في هذا الشرك بإرادتك إذا كنت تريد الإستمتاع بمفردات تشاكسك!! النص عميق..تخيلت الموج وتخيلت الصدفة كيف ترفض الآخر بعد ان يتنازل عن كينونته مقابل ان يتحول الى كائن رخوي داخل صدفة ما..إنه الإصرار على وصول الهدف بأي طريقة ..مجرد أن يلوي الكاتب عنق النص كي يكون كما يرتجي في أحلامه..وهي حالة انتقامية من حالة كائنة تريد ان تصل إلى ما ينبغي ان يكون كما يرى هو ويتخيل..المهم في هذا النص اني عندما قرأته استحضرت فورا الصدفة والبحر والموج وهذا يكفي..عندما يعيش القارئ النص في متخيله ..هذا يعني أن الكاتب قد نجح في القفز في القلوب.
لحنان موجة تلد البحر
في نص أو خاطرة [موجة تلد البحر]..من بدايته عنوان يستفز عند عاديات الأشياء ..فالموجة لاتلد بحراً ولاتلج أفقاً إلا اذا كانت جزء من بحر؟؟لكن الموجة هنا تطلب تفكيكاً خارج معايير العاديات..!!إنها تصنع موجة لها كي تغوص قيها..بمعنى انها تملك بحرا يختلف عن البحر الذي نعرفه..لاتستطيع حنان أن تصنع من الخيال موجاً مُغايراً..إلا من خلال بحر تصنعه لنكتشف ان هنا اسئلة كثيرة تحملنا فوق عاتقها وتخرج من مخيلتنا التفكير في الموجة ذاتها..لأنها تقول منذ البداية بقصدية مسبقة وبذكاء تقول : اكذب لأني كنت معها طوال الليل تخبئني بين جدائلها الكستنائية كزهرة ليمون..فإذن الموجة كينونة تتجاوز البحر . هي كأنها تستعير من فاليري الذي يستعير بالتالي عباراته لتأويل الاستعارات خصوصاً .عن.البحر – الرمز العميق لكل الاستعارات كأن يقول في المقبرة هذا السطح الهادئ حيث تمشي اليمامات، بين الصنابر يرتجف، بين القبور، يكون في الظهيرة لهيبا البحر، البحر دائما يتجدد! البحر يتجدد فيتحول الى مولود..
حنان في موجتها توجد كثيراً من الرموز اثناء حربها ضد القبح والرداءات. ذاكرتها تختزن الكثير من مسارات الحياة لكي تفلسفها وتطرحها من خلال ذائقتها..أظن أنها تفسر الأحداث على هذا النحو.ولذلك تستحق القراءة الأعمق والجهد الأكبر.
لكنها فعلا قربان للموجة التي صنعتها بعالمها الذي يتوافق مع حياتها وسلوكها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هوامش:
* ديريك والكوت شاعرٌ وكاتبٌ مسرحيّ غربُ- هنديّ. ولدَ في 23 يناير 1930، في كاستريز -سانت لوشا. كان لنشأته في إحدى الجزر البركانية المنعزلة ، التي كانت مستعمرةً بريطانية فيما مضى ،أثرٌ بالغٌ على حياته و مشروعه الأدبيّ بوجهٍ عام. جداه لأمه منحدران من سلف العبيد.
ت:فاطمة الناعوت
1. الإختطاف لحظة صدق-الكاتبة.
2. نفس المصدر.
3. رفيق الموج.الكاتبة
سأكرر ماكتبته يا استاذ في مدونتك في المكتوب:
ردحذفشكرا استاذ محمد لأنك عرفتنا على الاسم ..والكتابة.فعلا في ليبيا الكثير ولكن تحتاج الى بحث..انسجمت مع الموضوع والشرح.
اشكرك السيد ابراهيم واعتذر بخجل عن تاخري في الرد بسبب ظروف عديدة..اسعدني مرورك كثيرا وماقلته هنا ودمت بخير وعافية.
ردحذف