السبت، 21 يناير 2012

سين...! نحو سيرة ذاتية ناقصة لسعدية مفرح..محمد عبد الرزاق القشعمي




 الجزيرة الثقافيةhttp://www.al-jazirah.com.sa/culture/2012/12012012/read35.htm
حرصت على الحصول على هذا الكتاب منذ سمعت بصدوره مطلع عام 2011م وطلبت شراءه لي من عدد من الأصدقاء الذين سافروا إلى الكويت ولبنان ولم يتيسر لي الحصول عليه إلا هذه الأيام مع آخر سنة صدوره, والفضل يعود للصديق مروان المعيوف الذي أكرمني بنسخة منه من معرض الشارقة للكتاب.

منذ تعرفت على الأستاذة سعدية في الكويت عام 1989م في أثناء إقامة مؤتمر أو ندوة عن القصة القصيرة نظمه مجلس التعاون لدول الخليج العربية, وكنت أحضره مع عدد كبير من أدبائنا الشباب والشيوخ, وكنا نتحلق حول العمالقة أو الرواد وأذكر من رحل منهم جبرا إبراهيم جبرا وقحطان هلسا وشكري عياد وغيرهم.. وعندما قرأت اسمي المكتوب أمام الحضور في إحدى الندوات الصباحية التي لم أحضرها سألت الأستاذين محمد علوان وعبد الله باخشوين عني قائلة: القشعمي (يصير لي) أي يقرب لي فاتصلا بي وطلبا حضوري في صالة الاستقبال, وكان اللقاء الأول بسعدية بالرغم من سماعي بها من قبل إذ كانت المسؤولة عن القسم الثقافي بجريدة الوطن واستهلت هذا المؤتمر بكلمة اقتتاحية جريئة, أذكر منها قولها: هل سمعتم أن حلف الأطلسي أو حلف الناتو قد نظم ندوة أو مؤتمرًا ثقافيًا.. فهذا مجلس التعاون الخليجي ينظم مؤتمرًا عن القصة القصيرة لمثقفي دوله.. إلخ.

أقول إن سعدية الشاعرة المتألقة دائمًا بدأت في إصدار دواوينها ابتداءً من عام 1990م قبيل اجتياح صدام للكويت.. وقد أهدته لي مشكورة واستمرت تنشر للكبار والصغار من شعر وغيره, فنشرت في الكويت والقاهرة وبيروت ودمشق والجزائر لأكثر من مرة حتى أن اليونسكو اختارت لها مجموعة أصدرتها ضمن كتاب الشهر (كتاب في جريدة) عام 2008م.

بعد تحرير الكويت انتقلت من جريدة الوطن إلى جريدة القبس؛ لتواصل نشاطها في القسم الثقافي, إضافة إلى كتابتها الأسبوعية في جريدة الرياض وشهريًا في مجلة العربي وغيرها. تصلني تحياتها بين وقت وآخر مع إصداراتها الأولى.

أعرف معاناة سعدية وغيرها من جماعة (البدون) وحرصت على الحصول على هذا الكتاب لكونه سيعبر بشكل أو بآخر عما تعانيه.

قضيت وقتًا جميلاً معه, لقد شدني بما يحمله من رشيق العبارة ووضوح الفكرة وسلامة اللغة ومراوغتها مع المتصلين بها من الجنسين من جميع أنحاء الوطن العربي من مغربه إلى مشرقه, بل من جميع الدول العربية عبر منتدى ثقافي (مدينة على هدب طفل) على الإنترنت وعرفت بداية نشرها وهي طالبة بالجامعة عندما قدمت مشروع مقال لم يكتمل لأستاذها محمد حسن عبد الله وفاجأها بنشره في مجلة رابطة الأدباء (البيان) وكانت بعنوان: (التاء المربوطة) وفي اعتقادي أنها الخطوة الأولى التي قادتها لبلاط صاحبة الجلالة. إضافة لاهتمام أستاذها الآخر أحمد الربعي بنبوغها, حيث أصدرت حتى الآن أكثر من 14 ديوانًا نشرت في ست دول من الجزائر إلى الكويت، ترجمت إلى لغات كثيرة أذكر منها: الإنجليزية والفرنسية والألمانية والأسبانية والسويدية والطاجيكية والفارسية, وبعض القصائد رشحت للترجمة دون علمها, بل بواسطة أصدقاء وزملاء قرأ لها غازي القصيبي فأعجب بها ولقبها ب (وردة الهيل) في كتابه (صوت من الخليج) لديوانها الأول (آخر الحالمين كان) الصادر عام 1990م واختار لها مقطعًا من قصيدة (الأوتاد تموت انتحارًا) قالت فيه:

عندما تلقى عيون الأنجم الميتة.

تجتاح تضاريس المدينة.

عندما تظعن روحك

لمناخات (الذلول).

عندما لا يقدر أن ينساب في أنفك عطر الياسمين.

-عد تجدني

- بين ثوبي وعباءاتي أربي.

-وردة الهيل بأرض المستحيل.

في مداخلة مع نوارة لحرش (وأعتقد أنها من المغرب العربي) سألتها قائلة: قلت في القصيدة أنها وطنك, هل في كل الحالات هي وطن ناعم ورؤوف؟ ألم يصبك يومًا ما باللاوطن.. باليتم النفسي, وبشيء من الغربة أو المنفى؟

وكان جوابها - لا.. لا.. قصيدتي شديدة الإخلاص لي, يتمي هو يتم حقيقي جدًا وواقعي جدًا, وحالة الغياب ظرف قاسٍ أمر به وأعاني من تبعاته حتى أنني لم أسافر في يوم ما بالرغم من كل الدعوات التي توجه لي من هذا البلد أو ذاك ومازلت غير قادرة على السفر نتيجة لهذه الحالة التي تشعرني بالغربة, وأنا بين جدران غرفتي ومقر عملي وهما كل العالم الذي أتحرك في جغرافيته!

وفي إجابة أخرى لعارف سرور قالت: ميزة الأمل الرئيسة أنه لا يموت. نعم مازلت أمارس الأمل, وأحاول أن أعيش تحت ظلال الأمل حياتي كلها وبأدق تفاصيلها.. إلخ.

وعن ثقتها بشعرها وعدم تسرعها في النشر قالت إجابة لسؤال أحمد فرحات: أنا دائمة القلق تجاه ما أكتب وربما لهذا أتأخر كثيرًا في نشر أي نص بعد الانتهاء منه. لا أصدق أنني انتهيت من الاشتغال عليه, وأتحجج بحجج كثيرة أمام نفسي وأمام الآخرين قبل أن أدفع بالنص إلى النشر وكأنني مرغمة على ذلك.

وفي إجابة أخرى لجناة أبو منجل من الجزائر قالت: لم أندم على أي نص نشرته ربما لأنني متأنية جدًا في النشر، ولا أنشر أي نص شعري إلا بعد مضي فترة طويلة نسبيًا من الوقت على الانتهاء منه, ولكن ليس خوفًا من الندم المستقبلي، بل لأنها عادة تكونت لدي بسبب خجلي من تقديم نفسي عبر نصوصي إلى الآخرين في بداياتي.. إلخ.

وعندما سألتها الروائية الكبيرة المخضرمة ليلى العثمان قائلة: انشغالك في العمل الصحفي بكل هذا التوهج وحرصك على مسيرتك الشعرية, من خلال إصداراتك الشعرية المتلاحقة, هل شغلك كل هذا عن حياتك الخاصة؟ بصورة أوضح: أين مساحة الحب في حياة سعدية مفرح؟

فأجابت: الحب يحتل كل المساحات المكونة لسعدية مفرح, لا تناقض بين حرصي على العمل وانشغالي بالصحافة وانغماسي بالشعر من جهة وقدرتي على الحب من جهة أخرى. وصدقيني ياليلى.. لا شيء يمكن أن يشغلنا عن حياتنا الخاصة.. أنا أمارس هذه الحياة وفقًا لإمكاناتي في ممارستها وما أتاحه لي القدر أيضًا, بل أنا أجاهد بشكل مستمر لكي أحتفظ بقدرتي الهائلة على الحب, ومازلت مؤمنة أن الحب هو ملاذنا الأول وخلاصنا الأخير وسيبقى دائما رهاني الأجمل.

وعند سؤال فيصل الرحيل عن الزمن الطويل في رحلتها الشعرية, وما أثرها في مسيرتها؟ قالت: إنه بالرغم من مضي ربع قرن, فمازالت تشعر أنها في بداياتها, ومازالت تشعر أنها لم تحقق إلا القليل من أحلامها على مستوى الكتابة, بل مازالت تحلم بالكثير. وعن دوافعها للكتابة قالت: أنها تكتب لأنها تحب أن تكتب أولاً «بغض النظر عما إذا كانت هذه الكتابة تداوي الأسقام أم لا, صحيح أنها عالجتني من علل الروح, ولكنها فعلت ذلك بعد أن أقدمت عليها, ولم أقدم عليها أولاً لهذا السبب, وجدتني منساقة لعالم الكتابة لشغفي الشديد بهذا العالم, ولأنني من خلاله فقط أستطيع إعادة خلقي ذاتيًا, ودعني أخبرك أن دوافعنا للكتابة لا تتغير بفعل مرور الزمن, ولكن يحدث أننا نكتشفها شيئًا فشيئًا فنظن أنها تغيرت.

وعن سؤال لعمر عناز عن تصريح لأودنيس: (أن الثقافة العربية ستنقرض ما بقيت ثقافة مؤسسات) أجابت: إنها تختلف معه في أن الثقافة العربية ستنقرض تحت أي ظرف من الظروف, بوجود مثل هذه المؤسسات أو بعدم وجودها؛ لأن الثقافة هي حالة وليست وظيفة ترتبط بالأداء الوظيفي أو المؤسسي في أي بلد كان, كما أن المثقفين هم الذين يصنعون الحالة الثقافية, وهؤلاء غير قابلين للانضواء تحت جناح مثل هذه المؤسسات حتى لو استفادوا من بعض ما تقدمه على هامش نشاطها الدعائي الغالب.

أما عبد الله فلاح فيسألها عن سبب عدم كتابتها على الورق المسطر؟ فأجابت بقولها: إنها تكره الأوراق المسطرة؛ لأنها تشعر أن تلك السطور قضبان تسعى لسجن قصديتها من ورائها.. لهذا فهي تفضل الورق الأبيض.. وأنها تفضل كتابة قصائدها على ورق مستعمل ثم تعود لتنقلها على الشاشة.

وفي سؤال آخر حول عناوين قصائدها لفهد الهذال قالت: إن العناوين مسألة مهمة جدًا بالنسبة لها, وغالبًا ما يكون عنوان قصيدتها جزءًا منها لا مجرد لافتة تدل عليها.

وقالت: «أنا أكتب لأنني أحب الكتابة, وعندما أتوقف عن الكتابة فهذا يعني أنني لم أعد أحبها, وبالتالي فلن يسبب لي الأمر في تلك الحالة أي مشكلة ولن أخشاه؛ لأنه سيكون مجرد مرحلة من مراحل الحياة, ومجرد خيار من خيارات متعددة, لا أكتب كي لا أموت، ولا أعتقد أنني سأموت عندما أعتزل الكتابة» ويسأل فيصل الرحيل عن اعتبار موضوع الغربة وهل هو محفز أساس في شعرها؟ فقالت: إنها لم تخش الغربة ولم تبتعد عن وطنها وأسرتها يومًا واحدًا لكنها لا تعني أنها لم تجرب الغربة, وهذا يعني.. أنها لا تتذكر أنها قررت أن تكتب قصيدة من وحي شعوري بالغربة, وقالت إن الشاعرة العمانية الدكتورة سعيدة بنت خاطر الفارسي عندما قدمت رسالتها للدكتورة بالقاهرة (انتحار الأوتاد في اغتراب سعدية مفرح) كانت كمن يكتشف الكثير من مظاهر الاغتراب في قصيدتها لأول مرة.

هذه مجرد إشارات عابرة لجزء يسير مما تضمنه استجواب الأحباب للأديبة والشاعرة العربية الكبيرة سعدية مفرح والتي أسعد برابطة القربى بها.. وكلما أردت أن أنهي هذه الإشارات إلى مثل هذا العمل الجدير بالقراءة أجدني أعود إليه! ولأختم بسؤال الكاتب العزيز عبد الله التعزي (مدير جمعية الثقافة والفنون بجدة حاليًا) للأديبة الشاعرة قائلاً: أريد أن أعرف من أنتِ بعد كل هذه السنين؟ أدرك أنه ربما يكون سؤالاً غبيًا لشاعرة لها كل هذا الإنجاز ولكنه سؤال للإنسانية التي تبحث عنها الشاعرة سعدية مفرح!

فأجابت: سؤالك ليس غبيًا, كما تعتقد, ولكن السؤال المستحيل, سأظل أبحث عمن تسألني عنها إلى ما بعد النهاية بقليل.. كما يبدو، وسيظل السؤال سؤالاً دون إجابة, فالإجابات لا تليق بالأسئلة المستحيلة.. حتى لو كانت إجابات مستحيلة أيضًا!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك مُعرف أو غير مُعرف يهمنا المضمون فقط