الاثنين، 21 نوفمبر 2011

نستولوجيا الصمت واللسان لدى سولارا الصباح..ملخص من الكتاب







تفاصيل متأنية لمملكتى ونستولوجيا تشبه الغرق ..نصان رائعان للكاتبة الكينية سولارا الصباح.. قرأتهما فى لحظة فجائية لفتت انتباهى..وقلما اكتب عن اسماء ما لم افكر بعمق..لان الكتابة عن النصوص فى زمن الانترنت والتزوير والسرقات الادبية المنتشرة، مسئولية جسيمة ، حيث يصعب الفرز والمقارنة..لكنى وجدت فى سولارا ما يختلف وسولارا تكتب نصوص بالعربية وتترجم ايضا نصوص الى العربية..اقترح انهما يختلفان فى طرحهما واستقراءهما للاشياء..ويحيلانا الى افاق يمكن قراءة مضامينها على نحو يختلف عن التعامل مع نصوص أخرى..هما مجموعة من التساؤلات ..احاول هنا واقترح استقراء دلالاتها..دلالات الاسئلة ذاتها:
فى النستولوجيا نجد اسئلة تشغل ذاكرة سولارا مثلا:
الفقد بدء لمملكة الحنين،
حد المثابرة بالنواحِ .
لا شئ يربك ذاكرتى سوى أصابع البارحة،
تجرب الاغفاءة،
كخديعة الريح تقتاد الصراخ لغة،
توهم العراء بالعويل.

هذا الصمت المريب او المستريب فى تفاصيل متأنية لمملكتى تبحث عن كنه الاشياء والطبيعة وكل ما حول الانسان...تجد هنا فى صمت سولارا سيميائية الدلالات..فى جزئية البحث عن لغة  لم تاتى بعد للتعبير عن ما يدور فى هذا الكون..كقولها (  لم أعد أثق كليّة  في اللغة لاحتواء وتفسير هذا الوجود  ) وكقولها فى التفاصيل : (لا يمكن العثور علي هذة المعرفة  في الضوضاء والتململ. الطبيعة صديقة الصمت. أنظر الى  الطبيعة  ألاشجار، الزهور، الاعشاب -- تنمو في  صمت؛  النجوم، القمر والشمس،  يتحرّكون في صمت. . . نحتاج للصمت  لكى نكون قادرين على مسّ الأرواح."1" )
وكما فى النستولوجيا:
(في داخلي يرتبك الحنين على مشارف اللحظات التي كانت مليئة بالحماقات ودهاليز المرارة التي حولتني إلى روح تشع بالذعر... أجاهر بكبرياء يتربص بي وسرا أنحاز إلى يقظة ردتني لصوتك يهتف... "أنا احبكِ" لوهلةِ ظننتُ إني حلمت بكونٍ يتأهل بالحدائقِ وله طعم الصباح المؤبجد بالغناء الخالص.. إسمك بوح قيثارة وأنا أشدو"2")
ليس من لغة واحدة موحدة يمكن التعبير بها عن هذا الصمت الذى يلفها ويحيط بها ، واذا ما تعمقنا فى قراءة النص..نجد ان هناك ما هو اشبه بالتصوف او التماثل معه فى درجات نسبية وسيميائية ايضا فتقول هنا فى نفس التفاصيل (  ليس هناك بديل للإلهام المبدع،  او المعرفة، التى تاتى من معرفة كيفية الإتصال بالاعماق للاستماع الى  الصمت الداخلي.) وفى النستولوجيا تصدح بنفس الاسئلة حول الاتصال مثلا
(فتكت بى ثمار البوح
تمتمة السكوت،
ثرثرة الصمت.
وأنت فى المنتصف كخواص الروح.
لم أدرك إلا كثافة الهذيان،
تسرق أنفاسي التي هجست كشهقة الغريق.
آآآه كم تبعد الأشياء عن لغتي؟!"3") وكيفية الاتصال التى نرى البحث العميق عنها هنا وهناك..هو ذاته السؤال : كيف يمكن ايجاد لغة موحدة تعبر لنا ونعبر بها..تتحدثنا..لغة يمكن من خلالها ان يفهم انسان فى اقاصى العالم ماذا نقول وكيف نعبر وايضا هو الآخر يفهمنا بنفس القدر من العلو والسمو والتعمق او كما يقول اميرتوا ايكو فى الحاجة الى العلامات:
(لنفترض أن السيد سيغما، وهو مواطن إيطالي يقضي عطلته في باريس، بدأ يحس ب" ألم في بطنه ". ولقد استعملت لفظا عاما، لأن السيد سيغما لا يشعر سوى بإحساس لم يتبين كنهه بعد. وسيحاول بعد ذلك تحديد طبيعة هذا الاضطراب : هل يتعلق الأمر بقرحة المعدة ؟ أم بانقباض أم بمغص ؟ إنه يحاول أن يعطي اسما لمثيرات غير محددة بعد. فعندما يصل إلى تسميتها، فإنه سيمنحها بعدا ثقافيا، أي أنه سيصنف ما يبدو لحد الآن باعتباره مجموعة من الظواهر الطبيعية في خانات محددة و"مسننة". إنه يحاول بذلك ربط تجربته الشخصية بسمة تجعلها قابلة لأن تقارن بتجارب أخرى سبق أن منحتها كتب الطب أو المقالات  الصحفية اسما "4")الخ..ومن هنا يتبين لنا الافق الذى تسعى اليه سولارا..لغة جديدة..لغة تختلف ..فالعالم لايتفق الا على الاشارات او ما يحيلك الى المعنى حسب كل لغة وثقافة واتجاه ومضمون...لكن تفاصيل مملكة سولارا تقول لنا ايضا..وتكرر اصمتوا كما يصمت الكون..او بمعنى انصتوا لايماءات الكون الساكن الذى فى دلالاته حركة دائبة فى صمت وروحانية مطلقة..يرسل اشارات لايصعب فهمها..مثلما هى لغة الاشارة الدالة الى المعنى ..فالخرس يتخاطبون بالاشارة ويفهمون بعضهم البعض فى توحد غريب..ايضا الطبيعة يمكن ان نتوحد مع لغتها اذا تعاملنا مع دلالاتها بالاشارة!!كقول سولارا (هنا فى مملكتى  والصمت تعال أيها الانسان: إجلس بهدوء، وإستمع للصوت الذي سيقول لك: ' كن أكثر صمتا.,مت ,أسكت. الهدوء الإشارة الأكيدة  الى انك مت! حياتك القديمة كانت سلسة من الهروب من الصمت, والان تحرك خارج أسوار أفكارك  المرتعشة الخائفة وعش فى الصمت... الصمت: المعلم العظيم انتبه له."5 ") بمعنى انك انت لاتعرف لغة قوم فى مكان لايتحدث بلغتك..يمكنك التفاهم بالاشارة..فالصمت هو لغة العالم المشتركة التى يمكن ان تؤدى الى معنى وهى هنا تحيلنا الى عالم يختلف..وهوليس الايحاء باللسان كما يقول جان مولينو (إن الدلالة المميزة '' لأحمر'' هي "الحمرة "، إلا أن أحمر لا يدل على الحمرة إلا من خلال تحديد الكيان التي تنطبق عليه الحمرة. ومن هنا، فإن "أحمر" لا يمكنه أن يستمر في الوجود وحده في الخطاب، وذلك لوجوب التعبير، داخل هذا الخطاب، عن الكلمة التي تدل على هذا الكيان "6") وهذه وان كانت مقاربة ابعد لكنها فى النهاية تحيلنا الى معنى ربما تعنيه سولاراعندما تحيلنا الى نفس المعنى فى النستولوجيا وهو معنى اكبر واوسع افقا من الذاتية وان كان قد تبين  لنا غير ذلك من قراءة نص واحد..او البعد عن المقارنة..وهى قراءة عابرة لاتؤدى الى سولارا.. مثلا: (على مهل كنت أطبع ذاتي بيقين امراة عاشقة.. وأركض في مساحة الوعي لديك لأدخل في صمتك، عزلتك المشحونة بذاكرة مزدحمة بسيرة النساء اللائي مررن على باحة القلب وتركن الخراب! أتراني أقدر على زلزلة الارتباك في قلبك؟! "7")  او ايضا كما تكتب فى النستولوجيا (أنا سالتك أن تقترب.
تناسخ في وجودي مثل ذاكرة خرجت من غفوة الكسل.
ضوء يزيل من المساء ظله.
تعال "8" ) ...
الاشياء لايمكن التعبير عنها الا بلغة واحدة هذا ما ترسله سولارا  وهذا غير ممكن فى هذا العصر..لكنه يحيلنا ايضا الى استشرافها لزمن يكون فيه العالم قادر على الانصات اليك وفهمك بلسان واحد لايحتاج الى تفكيك حروف ولا الى دلالات معقدة قد لاتحيل الى اى معنى بالنسبة الى متلقى ما...
نص تفاصيل متأنية لمملكتى وايضا نستولوجيا تشبه الغرق.. نصان  يحتاجان الى قراءة اعمق وجهد اكبر ...يضاف ايضا الى القراءة، الحاجة الى قراءة نصوص اخرى لسولارا فلاشك ان هناك ما يمكن قراءته والتعمق فى دلالاته وايضا للتفكيك والمقارنة..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)     تفاصيل متانية لمملكتى .
(2)     نستولوجيا تشبه الغرق .
(3)     "          "       ".
(4)     فى الحاجة الى العلامات ..ترجمة : سعيد بنكراد.
(5)     تفاصيل متأنية لمملكتى.
(6)     الدلالة الايحائية واللسانيات بين المنطق والسميولوجيا  ..جان مولينو.. تقديم وترجمة : سعيد بنكراد.
(7)     نستولوجيا تشبه الغرق.
(8)     "         "         "

    *نشرت بمجلة الثقافة العربية عام 2008م.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك مُعرف أو غير مُعرف يهمنا المضمون فقط