الأحد، 20 نوفمبر 2011

مقابلة مع الأديبة الفلسطينية هيام قبلان..فلسطين


عن موقع المُثقف

يوسف شرقاوي  
hyam_qabalanلم أصدق صديقي العربي المقيم في القاهرة، عندما حدّثني عن رواية الأديبة الفلسطينية هيام قبلان، كان يتكلم بشغف عن روايتهارائحة الزمن العاري،
وكم كان حزينا عندما لم تناقش الرواية في معرض الكتاب في القاهرة، لِأسباب مازال يجهلها، لأن الرواية حازت إعجاب الكثيرين من روّاد معرض الكتاب في القاهرة، ومكتبات أخرى مرموقة منها على سبيل المثال لا الحصر، دار التلاقي للنشر والمطبوعات.
تشوّقت لقراءة الرواية، ولم اجدها في المكتبات لنفاذها من على رفوف المكتبات، لكن استطعت ان أحصل عليها من صديق على أن اردّها له بعد أسبوع على ابعد تقدير، غلاف الرواية زادها تألقا وهو لوحة فنّيّة للفنان الفلسطيني تيسير بركات.
في البدء اعتقدت ان زميلي بالغ في توصيف الرواية بأنها ترقى الى مصاف الأدب العالمي، لتأثرة بقول ميشيل دي مونتين في توصيفه عن ترسيخ الأشياء في الذاكرة، وعدم المقدرة على نسيانها، أو لتأثره بمعتقد الكاتبة وفلسفتها عن تناسخ الأرواح والعيش مرّتين
 لكن فجأة انتصب امامي السؤال المدخل، من أوحى لتلك المرأة أن تتطرّق لوضع المرأة، خصوصا المرأة الأرملة ضمن مجتمع تتأصل فيه الذكوريّة الفجّة؟ومن أين لها تلك الجرأة النادرة في التصوير والتوصيف بعبارات ومفردات إستطاعت ببراعتها أن تقشِّر الزمن حتى يظهر عاريا من الأقنعة، وكأنها تلامس اللحم الحيّ في مجتمع بني على نفاق وفساد مركّبين، ينهشا أجساد الكادحين الذين هم حراس السدنة، حرّاس الهويّة والأرض، ولم أكن أعلم أن الأديبة تِلك تمتلك هذا القدر من صياغة متانة النص والبراعة في التسلسل الروائي الفذ والممتع، بمضمون صريح وجريء لامس سلطة غائبة عنّا ألا وهي سلطة الجسد واستبداده التي لاتقل عن سلطة إستبداد النظام السياسي والإجتماعي، والفكري، والثقافي، وتفريغ شهوات الجسد الذكوري البعيد عن الروح على روح وجسد، ولن أبالغ إن وصفت روايتها بالرواية الرئيوية والتوعوية للمجتمع وذلك لكبر الفكرة بين ثناياها الثقافية والفكرية والاجتماعية، كذلك لبراعتها في توصيف المشاعر الإنسانية بكل نبل واحترام لروح المرأة، وقاربت بين شهوة الروح وشهوة الجسد مابين الحب والجنس وتمازجهما الذي قد يحرر مجتمع بأسره إن اتقنا مزج رائحة الجسد برائحة الزمن برائحة دم الشهيد...
الأديبة الفلسطينية هيام قبلان أرجو أن تسعفني تلك المقدمة السريعة عن روايتك رائحة الزمن العاري بطرح سؤال :..

 أي ثقافة عميقة وجريئة أوحت لكِ بكتابة تلك الرواية الإثتثنائية؟ومن أين لكِ هذا التمكّن في إدخال السرد الشعري الى الرواية مما أضفى عليها جمالا ولا ابهى؟
 ج) أولا أشكرك لهذه المقدمة أخي المبدع والكاتب يوسف الشرقاوي، وأتمنى أن تكون روايتي قد لامست روح القارىء العربي الذي لم يعتد ربما على طرح مثل هذه المواضيع في الرواية العربية وقد أكون نرجسية ان قلت أنها ترقى الى مصاف الأدب العالمي وهذا ما أدلى به من قرأ الرواية، فثقافتي وبكل تواضع هي نتاج دوري ككاتبة وشاعرة تعيش في مجتمع ذكوري يمنع من المرأة طرح مواضيع تخص المرأة والرجل على حدّ سواء،، كالجسد،، وممارسة الحق في التعبير، البعث للحياة من جديد،، التحرّر من عقدة شهوة الجسد،، تخطي حدود حمراء بموضوع الجنس، صراع الهوية والانتماء، ، رفض القمع والاستبداد،، كلّ هذه المواضيع وأكثر كانت محفّزا لانطلاقة الشرارة الأولى لكتابة روايتي وذلك بعد سبع مجموعات شعرية،، اذ فيها تتمرّد البطلة " هزار " على سلطة الجسد وسلطة الأب والأخ والعاشق، والمجتمع لتؤكّد أن مجتمعنا العربي للأسف لا يملك " ثقافة الجسد والاصغاء له" ولا يعرف كيف يتعامل مع هذا الكائن المعجون من لحم ودم وما مدى علاقة الجسد بالطاقة والشحنات التي تقتل الروتين وعلاقة رائحة الجسد بالزمن العاري وبرائحة دم الشهداء، وثقافتي لم تأت من فراغ انما هي حصيلة مطالعة واطّلاع، ودراسة الأدب العربي والشعر القديم والحديث، وفن الرواية والنقد الروائي، هي حصيلة احتكاكي بعالم الرجال في الأدب والسياسة وفي داخل المجتمع ودوري الريادي في كتابة أول قصيدة لي في سن مبكرة كانت بعنوان " خائفة"،، وحين انطلقت الى الفضاء الرحب وخارج حدود المكان أي خارج حدود الخط الأخضر اكتملت الصورة بذهني لكتابة رواية بدأت بكتابتها على الورق ونسيتها في درج مكتبي وذات لهفة وصرخة استنهضت بي قواي وروحي ودمي لأعلم أنه لا بد للعودة لهذه القصاصات ولملمتها ووضع نهاية للرواية، فسافرت الى القاهرة بعد أن كنت بتواصل مع دار نشر التلاقي مع الشاعر والكاتب المسرحي السماح عبدالله الذي قرأها وأعجب بها ورشحها بعد طباعتها مع دار النشر لجائزة بوكر للرواية،، أما الجرأة فهي مسألة تسكنني منذ الصغر ولم أفكر بالقارىء أو المجتمع حين كنت أكتبها بل كنت أمارس حقي بالتعبير دون قيود وبخفر جميل للأنثى المتوهجة في الرواية،، وأقول أن كتابتي للرواية ليست هروبا من الشعر أبدا،، فالشعر مولودي الأول والبكر ولا غنى عنه ومن يظن أن كتابة الرواية أسهل من الشعر فهو مخطىء، يحتاج الكاتب لذكاء وتمكن من اللغة والبلاغة وفنية الرواية كالسّرد لأن السّرد أحد الأعمدة الهامة لتأثيث الرواية وبنائها فلم تعد الرواية اليوم تعتمد على السرد الحكائي بقدر ما تنقله للقارىء من مشاهد ووصف والتعامل مع الشخصيات التي ربما غير متواجدة في الواقع وهنا دور الكاتب بالخيال الواسع وتحكمه في قضيتين " التحليق والعودة" الى أرض الواقع من جديد،، وعلى الكاتب أن يكون مطّلعا على الثقافات الأخرى والأدب العالمي أيضا لتتسّع آفاق تفكيره في بنائه للرواية من شخصيات وأحداث ولحظة التأزم وايجاد النهاية ان كانت مفتوحة أو مغلقة،، بصراحة أحببت هذه المغامرة،، غامرت وأنا بصدد كتابة رواية جديدة لم تكتمل بعد .

ج) السّرد الشعري في روايتي ربما جاء مني كشاعرة قبل كل شيء،، فقد طغت اللغة الشعرية على السّرد في كتابتي الرواية ولا أرى في ذلك أي تشويه بل بالعكس أضاف الشعر الى فنية الرواية الكثير،، حتى أنك تجد أحيانا أبياتا شعر على لسان البطل " نبيل" أو من خلاب لوحة معروضة لشخصية " أدهم" الذي يلعب دور الرسام فيها ليختلط اللون بالحرف وبالطبيعة الجميلة للأماكن في حيفا والناصرة وغيرها وحتى برائحة الدم الممزوج بتراب الوطن يتراقص الجسد احتراقا بلهيب اللغة الشعرية السردية .
كلي أمل أن تصل روايتي ليد محبي الشعر والرواية وأن أكون قد أضفت للمكتبة العربية كتابا مفيدا ومغايرا ..أترك الرأي للقراء والنقاد.

س) ما هو تقييمك لروايتك رائحة الزمن العاري سيّما أن لك رؤية نقدية بلغة أدبية شفافة، وهل أنت راضية عم محتوى الرواية أم أنّ رضى المتلقي غاية لا تدرك ؟
ج) أعتقد أنّ على الكاتب أن يكون ناقدا لنفسه أولا ولأدبه ثانيا قبل أن يتناول عملا نقديا لغيره ولكن لا يمكنني تقييم روايتي والاّ كان كل كاتب يقيّم أعماله الأدبية ويرى فيها الأجمل والأروع والأفضل والأنجح،، نحن دائما بحاجة لعين أخرى تقرأ وتبصر ما نكتبه فرأي القراء والنقاد ضروري طبعا، ولكل رؤيته وتحليله وكلّما كان العمل الأدبي مختلفا عليه يكون أكثر اقبالا لتداعيات أخرى ومثيرا للجدل،، أما اذا كنت راضية عن محتوى الرواية، ، كموضوع ومضمون نعم أنا راضية لأنني طرحت قضيتين هامتين بالنسبة لي وبالنسبة للمجتمع الذي أعيش فيه وأيضا كقضية عامة وجماهيرية كموضوع المرأة الأرملة في مجتمع ذكوري وحقها في الحياة من جديد وعلاقة النهوض بالجسد والذي له علاقة في الرواية بالأرض والدم والموت،، والقضية الأخرى التجنيد الاجباري للطائفة العربية الدرزية في ظل الصراع السياسي داخل الخط الأخضر وفقدان الهوية،، وفي رأيي أن على الكاتب حين يكتب عملا روائيا عليه أن يطرح قضايا قد تكون خاصة لكنها تهم المجتمع والرأي العام، أما رضى المتلقي فهو بالنسبة لي أيضا غاية وكبيرة وهامة جدا لأنني لا أكتب لنفسي بل أكتب كي يقرأني الآخر ويتماهى معي ويقبل على قراءة ما أكتب بكل حب وشوق والاّ فما نكتبه سيغطيه الغبار ويهمل،، فالعمل الروائي يحتاج الى عدة عناصر مجتمعة ليكتمل العمل : من موضوع، فكرة، أسلوب، فن، بناء الرواية بشكل يلائم العصر من أساليب فنية ولغة ابداعية، وترك الرأي والنقد للآخرين،، فمتى ينشر العمل يصبح ملكا للآخر ..!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رابط الموضوع:

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك مُعرف أو غير مُعرف يهمنا المضمون فقط